السبت، 21 مارس 2009

فساخونيا

رقص على رجل ونص + مشي على الحبل بطراطيف الصوابع + كفة مايلة وكفة مخرومة = ميزان المدفوعات
عربية كارو بيجرها حمار اعرج + سقف مخرم وبيخر في المطرة + "عفوا قيد الصيانة الدورية" = قاطرة التنمية
كلمات متقاطعة واخبار الحوادث + تقميع بامية وتقوير محشي وتخريط كوسا + ماسنجر وفيس بوك وداونلوود = الرضا الوظيفي
صباح الخير يا جاري انت ف حالك وانا في حالي + "وانت مال أهلك " + الباب اللي يجيلك منه الريح سده واستريح = سياسة الباب المفتوح
فرش ملايات وردح وفضح + حدف بالجزم ورمي بالشباشب + تأجير بلطجية ونسوان سوابق شوضالية= الحوار الديمقراطي
بصل وفسيخ وملوحة وسلامونيلا + سحابة سودا مزاريب وعوادم + زحمة ولخمة و"قفلي على كل المواضيع" = شم النسيم
إزازة مسدودة باتنين متر مكعب فِل + بلاعة طافحة وبتبخ صراصير + مصفاة مهوية مفيش تحتها حلة= حرية التعبير
النفخ في إربة مقطوعة + سحب مقطورة اسمنت وقعت في الترعة + التعلب فات فات وفي ديله سبع لفات = دفع عجلة السلام
حمومة العيد الصغير + غسالة اطباق يونيفرسال شغااااال + تلميع جزم وورنيش عمولة وصبغة درجة أولى = غسيل الأموال

قالوا وقلت ،،،،

قالوا : "مراية الحب عامية" ،،، قلت الرك على اللي كان بيبص فيها ،،،،
قالوا : "على أد لحافك مد رجليك" ،،، قلت بدل ما تتني رجليك هاتلك لحاف على مقاسك،،،،
قالوا : "ابن الوز عوام" ،،، قلت ده لو كان في مياه يبلبط فيها ،،،
قالوا : "صاحب بالين كداب" ،،، قلت يعني أبو بال واحد كان عمل بيه أيه ،،،،
قالوا : "يدي الحلق للي بلا ودان" ،،،قلت ما كان يسيحه ويعمله خاتم ،،،،
قالوا : "القرش الابيض ينفع في اليوم الاسود" ،، قلت يبقى اجري اصرفه دلوقتي ،،،
قالوا : "اللي انهاردة بفلوس بكرة يبقى ببلاش" ،،، قلت يبقى انهاردة اخر يوم في عمرك ،،،
قالوا : "الدم عمره مايبقى مياه" ،،، قلت هو حد لاقي المياه من اصله،،،
قالوا: "العشرة متهونش غير على ولاد الحرام" ،، قلت عيييييييييب ، كده يبقى نص البلد اولاد غير شرعيين،،
قالوا : "مين خرج من داره اتقل مقداره" ،،، قلت إلا لو كان لابس بدلة عليها القيمة ونضارة شمس أصلية ،،،
قالوا : "الكدب مالوش رجلين"،،،قلت ربنا يخلي لنا الأطراف الصناعية ،،،
قالوا : "اللي متعرفش ترقص تقول الأرض عوجة"،،،قلت ده قصر ديل يا أذعر ،،
قالوا : "ان كان حبيبك عسل متلحسوش كله"،،،قلت وان كان بلااااص لغوص فيه ،،،
قالوا : "ان فاتك الميري اتمرمغ في ترابه"،،،قلت ياخي هع هع هعععععععععععععععع

أخس عليا يا ألف أخس ،،،،،

بس، بس،،، بس، بس ،،، من غير كتر كلام ولا حس،،،، كله يأنتخ يكتم ويهس،،،
عايز أحكيلكو أوام حدوتة،، حلوة بسيطة لكن ملتوتة ، بس اجري أوامك هاتلك فوطة ،، علشان يمكن مرة تحس ،،،
قالولي زمان الدنيا جميلة ،،، وكله يعدي بهيلا وبيلا ،،، والحلم اللي اخدوه ترحيلة ،،، لسه بردو سامعله نفس،،،
شفت كتير دوخت ولفيت،، واتشطرت ياما وعكيت،، على نفسي لوحدي انا رديت ،، ومحدش قال نقسم بالنص،،،
اللي قالوه كبر عديها،،، فكك نفض دماغك فضيها،،،عيش يا اخينا روق قضيها ،،، وأحسن لك يابني بلاش تحس،،،
وبعيش في مية البطيخ،،، أفرقع بمب على صواريخ ،،، وكأني جي من المريخ ،،، اليوم بيومه يفوت وبس ،،،
أهرب أجري بلاش تفكير ،، ما انا ياما فكرت كتير ،،، لحد ما جاللي داق العصافير ،، وبقيت بصوصو من غير حس،،،
وبرفرف بجناح مكسور ،، مكسح بينط فوق السور ،،وكل شوية ينادوا "مسرور"،،، علشان ارجع تاني للنص ،،،
بجري بعيد مش عارف أرجع،، باكل بشرب أنام وأبلبع،،،وف الحظيرة عمال أرتع ،،، توهان هذيان تهليس وهسس،،،
بسأل نفسي أنا ليه عايش ،، جنب الحيط عايل عل الهامش، حيران مكتوم مذهول كاشش،، مبسوط بالعيشة جوا قفص،،،
أصلي بقيت خلاص متعود،،،، وعرفت يا بيه مصير المتمرد،،، ما هو أصله جبان وعميل متشرد،،، وبيفبرك حواديت وقصص،،،
بحرك وأفرك من جوايا،، ومحدش فاهم أيه الحكاية ،، أدادي في نفسي وأقول كفاية،، ما هو من تفكيري أنا عمري نقص ،،،،
بقيت مهكح م الشيخوخة ،، ودماغي حلاوة عالية ومنفوخة ،، وحاجات كتير تايهة وملبوخة ،،، ومن غلبه قام قلبي رقص ،،،،
بهري وبنكت دمي بيغلي ،، جسمي مدغدغ وارم مهري،،، بقى يتضاعف بالعشرة عمري،،، وياريت فيه غير فشر وهجص ،،،
بقيت جاني من مجني عليه ،،، راضي بالدور ده وطاير بيه ،،، وكل حياتي "أنا أعمل أيه؟"،،، أخس عليا يا ألف أخس ،،،،،

أبو جلمبو

أوبا تيتو مامبو ،،، يا حبيبي يا أبو جلمبو ،،، أنتخ يا عنيا وريح ،، ولا واحد يجي جنبه
غلبان يا عيني ومطحون ،،، شغال زي المجنون ،،،، وبيريح في الزبون ،،، على حجره في ديله وجنبه
تعبان شقيان محتاس ،،، بيضحك في وشوش الناس ،،، وشغله يأديه بإخلاص ،،، وتوكاله علطول على ربه
مسكين غلبان وضعيف ،،، وعشري ودمه خفيف ،،، لسانه بينقط بلوبيف ،،، عسل الدنيا في حنكه كبه
جي ورايح زي النحلة،،، بؤه يزمر وف إيده طبلة،،، أصله اتعلم من الناس الهبلة،،، اللي في حالها شغالة وساكتة
وبيطنطط هنا وهناك ،،، فاشخ ضبه بيرمي شباك ،،، والجد بيرميه م الشباك ،،، أصل الشغل ده أبوخ نكتة
مكفي على وشه أيام وليالي،،مهووس مهروس يصرخ ويلالي،، ويقول أنا عايز أربي عيالي،، ما هو بالكوسا محلولة يا قتة
,,,,أبا تيتو مامبو ،، يا حبيبي يا أبو جلمبوووو

الحدق يفهم

مشربتش لكيعانك ،، طب متشقلبش كيانك ،، مجالكش هسس يا عنيا ومن وشك بيفط جنانك
مأخدتش بالجزمة ،،، وميت مليون ستين صرمة ،، لو يوم فكرت تخبط أو من خشمك طلع لسانك
نقي كلامك يا حمادة وبطل عك ولت وعجن ،،، لا حياتك تصبح سادة وتتهري ضرب ولطش وطحن
يمكن ناسي لأنك دايخ ،، مش فايق وعامل فيها بايخ ،، ما انت لو صحصحت يا باشا هتلاقي وشك في قفاك لازق
اتهد ومتبوئش ،، وبلا حق بلا محقش ،، وشوفلك حاجة اتلهي بيها واتنيل على خيبتك واسكت
ماهي مش طالبة نصاحة ،، بكرة هتفهم براحة ،، اصلك طول عمرك فقري ليه دلوقتي جي تتنطط
نقي كلامك يا حمادة وبطل عك ولت وعجن ،،، لا حياتك تصبح سادة وتاخد ضرب ولطش وطحن
يمكن ناسي لأنك دايخ ،، مش فايق وعامل فيها بايخ ،، ما انت لو صحصحت يا باشا هتلاقي وشك في قفاك لازق
مشربتش لكيعانك ،، طب متشقلبش كيانك ،، مجالكش هسس يا عنيا ومن وشك بيفط جنانك
مأخدتش بالجزمة ،،، وميت مليون ستين صرمة ،، لو يوم فكرت تخبط أو من خشمك طلع لسانك
( أظن واضحة زي الشمس ،، ومش محتاجة فتاكة ) ،،، وعفوا على طولة اللسان

الثلاثاء، 24 فبراير 2009

اليوم الأول

لم تستطع العواصف العاتية المنبعثة من كل جانب من الشارع في أنت تعكر عليّ صفو نشوتي، ولم تتمكن النظرات الحادة المندهشة والتي تحيط بي من كل جانب أن تشتت اندماجي العميق مع ما أحس به، لم أشعر بالضيق رغم أن كل ما حولي لا يدعو إلا لذلك بل وأشد،، انتظر طيلة نصف الساعة ولا توجد وسيلة مواصلات تتسع لأحد قدميي ،، تأخرت عن العمل كثيراً ،،، لو أنني لم اتخذ قراراً بترشيد النفقات لكنت توسلت لتاكسي كي يقلني،، أخيراً نجحت في الحصول على شبرين ونصف في أحد الأتوبيسات الخضراء الجديدة ذات الأجرة الموحدة (جنيه ونصف)، كما وفقني الله تعالى لمفعد فارغ ،،، وبدأ المران على الصبر والتصبر ،،، الشمس مشرقة وساخنة بعض الشئ،، الأتوبيس مزدحم ،،، لا يكاد يسير بضعة أمتار ليتوقف بعدها عشرات الدقائق،، لو كنت سرت لكنت أسرع منه ،،، ولكن لم يفت ذلك من عضد حالتي وتوحدي مع إحساسي،،، والذي بدا جلياً على كل جزء من بدني ,,,

هرعت من منزل صديق لي في الثالثة بعد منتصف الليل،، كان حديثنا مشوقاً وطويلاً ،، أجبرتنا دقات الساعة على تأجيل ما لم يكتمل منه،،، أسرعت إلى الشارع الرئيسي كي استقل شيئا للمنزل،، خرجت إلى كورنيش النيل ،،،بدا وكأنني آراه للمرة الأولى ،،، كانت النسمات الرقيقة تتراقص على وهج الأضواء الأنيقة التي تزدان بها صفحة النيل الصافية،،، تمعنت في النظر حولي،،، استغرقني المنظر،،، إلى أن أحسست بأنني جزء من تلك اللوحة المبهجة العذبة،، وكأنني دخلت إلى بوابة عالم آخر ،،، يجذبني بشدة ،،، يأخذ بيديّ ،، يطمئنني،، يهمس في أذني ويقول:" فلتبدأ حياة جديدة " ،،،

لوحة متأنقة وكأنها فتاة تتألق في ليلة عرسها،،، تبتسم إلىّ ،، وتمد يدها وتأخذ بمعصمي،،، تفك قيدي ،، تطلقني ،،، شعرت أنها تعرفني جيدًا،،، وتدرك المعضلة التي عانيت منها طويلاً،،، تحثني على الكلام ،، على التعبير عما يعتمل في نفسي ،،، فكثيرًا ما كنت اتحدث لنفسي ،،، أشكو لها ،،، أفرح معها ،،، أشقى برفقتها،،، حين أحب اعتمد على أفعالي في البيان ،،، وعندما أكره أتكأ على ملامحي في الإفصاح،،، لم استطع أن أقاوم ابتسامتها البراقة ،،، وتعبيراتها المريحة ،،، ولمسة يدها المطمئنة ،، استسلمت لها ،، وسرت معها ،،، في لحظات علمتني كيف أكون حراً ،،، معبراً،، منطلقاًً،،،

كنت استمع إلى أغنيات اعتدت الاستماع إليها أثناء سيري في الأيام القليلة الماضية،،، لا أنكر أنها كانت تبعث في نفسي أحاسيس متنوعة طالما اشتقت للإفصاح عنها ،،، ولكن كانت احاسيسي تتراقص بداخلي،،، وربما كنت أبالغ أحياناً واهز يديّ هزات خفيفة منسجمة مع النغمات،،، وترتسم على وجهي ملامح تعبر عن الكلمات،،، لكني الآن أجد نفسي متحركاً ،،، لا أبالي بمن حولي ،،، حتى لا أبالي إن كان هناك أصلاً من يشاركني السير على ضفاف هذه اللوحة ،،، لأول مرة يخرج الطفل الذي بداخلي للنور ،،، كان فرحا مبتهجا ،،، يجري هنا وهناك ،،، يثب يمينا ويسارا ،،،، يتتبع خطوط تنظيم المرور وسط الشارع،، وانطلق العاشق يلهث ،،، يريد أن تنتشر أصداء صوته في كل ركن،،، يسير في منتصف الطريق،، يمد ذراعيه ،،، يستدير ويستدير ،،، ينعم بنسمات الهوى،،، ويستنشق عبير الشوق،،، وقفز المتمرد من ظلمات زنزانته،،، قرر أن يحيا حراً ،، لا يقوده سوى تمسكه بالحق،،، مرر بنقطة تفتيش للشرطة ،،فاستمر في قفزه وغنائه ،، ولم تهزه مشاهد بعض الشباب المحتجزين ،، والذين لا تظهر عليهم أي علامات إجرام،،، استمر مزهواً، فرحاً، متألقاً ،،، ولم يخش إلا أن يظنوه "ثملاً".

مررت بهذه الطرقات مرات ومرات،،، لكن هذه هي المرة الأولى التي أرى فيها هذا الجمال،،، وألحظ هذا التألق،،، لم استعجب ،،، فأنا أعرف نفسي منذ سنوات،، ولكني لم أرها كذلك من قبل ،،، لا أعرف ما هذا الشئ الذي يجعلك تحس وكأنك ولدت من جديد،،، تعيد التعرف على كل شئ ،،، حتى نفسك ،،

"بقالي زمان بخاف احكي ، بداري دمعتي في ضحكي ، ولو إحساسي كان ملكي هغير فيه" ،،، وكأنها تتحدث عني ،،، سمعتها كثيراً ،، ولكن هذه المرة كنت أودع فيها شطر حياتي الذي مضى وقت أن أخذت بيدي تلك اللوحة الحسناء،،، سمعتها وأنا أتخلص من بقاياه المؤلمة ،، سمعتها وأنا أودعه ،،، أرثيه،،،، شعرت بأن رهبة الحكي لم تعد تشل لساني،، لن أكتم دمعي بعد الآن ،،، لن تكون ضحكاتي صوراً زائفة لمعاناتي،،، سأضحك ضحكاً خالصاً ،،، وأبكي دون حاجة لتبرير،،،، ومشاعري وإن لم تكن ملكي ،، فلا ريب ان بيديّ أن أبعث الروح فيها أو أن أسلبها معانيها،،،،

وصلت المنزل،، ورغم انفصالي المكاني عن لوحتي ،، مخلصتي ،،، إلا أن خيوطها لازالت تلف قلبي ،، لازلت أحتضنها بين ضلوعي ،، ما تعلمته منها يرن في أذني ،،، راسخ في عقلي،،، ذهبت مسرعاً لأنام،، نمت مطمئناً لاستعد لليوم التالي ،،، اليوم الأول،،، اليوم الأول من الحياة الجديدة التي أخذتني إليها.

الخميس، 12 فبراير 2009

"ألا نتعلم شيئاً من تلك الهزيلة"

كانت رشيقة للغاية، تنساب على درج المترو وكأنها ورقة شجر نضرة اختارت أن تسبح على بساط النسيم، كانت ملفتة وجذابة، رغم بساطتها الشديدة، كانت ملابسها عادية، بسيطة، وتقليدية بالنسبة لامرأة أجنبية في منتصف العمر، ارتسمت على شفتيها ابتسامة نقية، وازداد احمرار وجنتيها الحيتين عندما رمقتها أعين المارة، وتدريجياً أصبحت محط أنظار الجميع وكأنها تؤدي دوراً مثيراً على خشبة إحدى مسارح باريس، الكل تقفز من عينيه الرغبة في القرب منها والولع بالتودد إليها،عندما اشتد الأمر عليها ظهرت أمارات الخجل في عينيها المتوقدتين بالحيوية والنشاط، ثم تحولت لمعة الخجل في عينيها إلى وهج الاستغراب والشك.

أما الأخرى فكانت كزهرة ياسمين ذبلت من شدة وطأة الريح، الريح التي حملتها إلى كل حدب وصوب، وهي مستسلمة لها، آملة أن تجد هنا أو هناك رشفة ماء تروي ظمأها، أعين الناس رشقتها هي الأخرى ، ولكن بنظرات مغايرة، كانت نحيفة، هزيلة، قصيرة القوام، كانت ملابسها متسخة، يبدو على وجنتيها سواد يوم طاحن من الكدح و السعي، تحمل على عاتقها حقيبة، بدت أنها تعاني من حملها، دخلت إلى السيارة الأجرة ورغم عدم توافر مقعد، إلا أنها لم تبال وتكيفت في أحد أركان السيارة، وانكمشت داخل حقيبتها التي وضعتها على ساقيها، ورغم سهام النظرات الحادة التي كانت تتربص بها إلا أنها استغرقت في النوم ولم تلق بالاً.

لم استعجب كثيراً من نظرات الناس التي كادت أن تخطف السيدة الأجنبية، استبعدت أن تكون نظرات الرجال لها بدافع الافتتان، فهي امرأة عادية جدا، كما أنها لا تظهر مفاتنها، إلى جانب أن هناك العديد من الفتيات الجميلات اللواتي شحذن أنفسهن للقتال في عربة الرجال، احترت كثيراً ولكنني اهتديت أخيراً إلى أنها ربما تكون "عقدة الخواجة"، أما تأملات النساء فيها فقد تصورت أنها من قبل الغيرة، فقد فاقتهم سناً ورشاقةً وعذوبةً، وإن لم تكن أبهى ولا أجمل ولا أفتن منهن، ولكن واتتني فكرة، ربما كن يشعرن بالحقد عليها، فبعد عناء التزين والتعطر والأبهة، تأتي هذه "المصيبة" وتخطف أنظار الرجال.

كانت رأسها تترنح في الاتجاهات جميعها تناغماً مع الحركات العنيفة للسيارة، ولكن غرقها في نعاسها البرئ كان أعمق بكثير من أن ترجها تلك الهزات، رغم ضعفها وقلة الحيلة التي بدت على وجهها، إلا أن قوة غريبة كانت تشع من بين جنباتها وهي تحتضن حقيبتها بإصرار، وعزة نفس جامحة كانت تكتنفها عندما تعدل من جلستها حتى لا تميل على أحد المسافرين، كنت عائداً من زيارة لبعض الأصدقاء في بنها، والساعة تربو على الواحدة بعد منتصف الليل، ظلت عيناي مثبتتين عليها، لم أنشغل كثيراً بمتابعة نظرات غيري من الركاب، وحتى لا تشك في أمري إذا استيقظت ورأتني أحدق إليها، اضطررت أن أدير وجهي يميناً أو يساراً بين الحين والأخر، واكتفي بنظرات عابرة عليها.

وبينما استغرق مستقلو عربة المترو في النظر إلى السيدة الأجنبية، ظلت عيناي تراقب الموقف ولكن عقلي كان يستعيد صورة تلك الفتاة النائمة، أحسست بأنني انقسمت شطرين، شطر في المترو يتابع تلهف البشر على الأجنبية، وشطر في سيارة الأجرة يقف منبهراً أمام تلك الزهرة المترنحة، حاولت أن أعقد مقارنة بين نظرات الناس في كلا الموقفين، ولكني لا أتذكر جيداً كيف كان ينظر الركاب للفتاة، جاهدت كثيراً إلى أن أسعفتني ذاكرتي،،، هؤلاء الفتية الذين بدت عليهم علامات البهجة والمرح، ربما كانوا عائدين من سهرة أو "لقاء أنس"، دلتني على ذلك ضحكاتهم المرتفعة وصخبهم الذي كان يعكر صفو تركيزي مع الفتاة، استمروا كذلك لفترة، إلى أن لاحظوا تلك المترنحة والشامخة في الوقت نفسه، خفتت أصوات ثرثرتهم المزعجة، ونظر بعضهم إلى بعض، ونظروا إليها، ثم اعتلتهم حالة من الصمت الطويل، وكأنهم كانوا يندبون حالهم، هالتهم ملامح الكفاح والعزة والإصرار التي توجت جبهتها رغم ضعف جسدها وشحوب بشرتها، بدا لي أن لسان حالهم يقول: "ألا نتعلم شيئاً من تلك الهزيلة".

يدخل القطار إلى المحطة وتتأهب السيدة للرحيل، اتجهت نحو باب العربة، تتابعها الأنظار، أحسست أنهم تمنوا أن تكون تلك المحطة هي الأخيرة، حتى يمكنهم مغادرة القطار معها، لاستكمال مشاهدة تلك "الأسطورة العجيبة" التي لم يحل سنها دون سطوع النضارة من وجهها وانتشار الحيوية على أطراف جسدها، توقف القطار، خرجت السيدة وإلى جانبها من أسعدهم الحظ بأن تكون تلك المحطة هي وجهتهم، حتماً كانوا سعداء أن "العرض" لم ينته بعد بالنسبة لهم.

عدت أنا لفتاتي، تذكرت حين وصلت السيارة الأجرة إلى ميدان رمسيس، وخرج الجميع مهرولين دون أن يلقوا لها بالاً، وتركوها وحدها لا تزال غارقة في النعاس، لا أعرف ما الذي جعلني أخرج مثلهم دون أن انبهها، خرجت وعيناي مثبتتان عليها ولم أحرك ساكناً إلى أن قال لها السائق: " استيقظي يا بنت، وصلنا رمسيس"، بكل خفة ووقار أخذت حقيبتها وخرجت من السيارة، سلكت طريقها وعبرت إلى الجهة الأخرى من الميدان وظلت نظراتي تتابعها في إجلال إلى أن تلاشت.

الخميس، 15 يناير 2009

لم يكن ظلاماً عادياً

عندما تشعر بأن عيناك لا تجدي نفعاً، عندما لا ترى سوى اللون الأسود القاتم، لا فرق بين يمنةً ويسرةً،،، لا داعي للتركيز،،، لا جدوى من التبصر، تتسلل إلى نفسك تلك الرعشة، تتغلغل بين أحشائك، ترجها بشدة، ترلزلها، تدبدب في أعماقك، تغوص فيها، تتملكها.

رغم خبرتي بهذا الموقف والذي يتكرر عادةً عند إصلاح محطة كهرباء الحي إلا أن هذه المرة علمتني كيف تكون الظلمة،،،، مسلسلاً باللون الأسود من رأسي لقدمي، لا أرى قيد أنملة أمام عيني، إنه ليس خوفاً، لا لم يكن خوفاً؛ فأنا أعرف كيف يكون الخوف أثناء الظلام، تعلمته جيداً حين كنت أطفئ مصابيح البيت كلها، وأغلق منافذ الضوء جميعها، لكي أعيش لحظات منفرداً بنفسي، أنا وهي فقط، وأدثر نفسي تماماً وكأنني في ظلمات القبر، كنت أحاول أن أشعر بمدى هول هذه اللحظة، ولكن الأمر هذه المرة مختلف، والشعور مغاير تماماً، باختصار لم يكن خوفاً من الظلام، ولم يكن ظلاماً عادياً.

كان حلماً شاعرياً للغاية، أرى فيه نفسي وقد ظفرت بأمنية تداعب أفكاري، لا أبالغ عندما أقول إني لا أتذكر شيئاً من مشاهد هذا الحلم بتاتاً، ربما تسبب هول ما رأت عيني حين كنت استدير في محو تفصيل وحتى إجمال هذا الحلم،،، استدرت ناحية اليمين وفتحت عيني، فلم أر شيئاً البتة، قلت ربما لا زلت نائماً، ولكن عقلي بدأ يحادثني وأرسل إشارات عدة لجفنيَ،، فتحتهما وأغلقتهما بضع مرات، وفي كل مرة لم أكن أرى شيئاً، لايوجد أدنى فارق بين الحالتين،، راودتني فكرة أني قد أصبت بالعمى،، ولكنها لم تمكث إلا قليلاً ثم رحلت،،، رحلت عندما بدأ صوت يتصاعد ويعلو داخلي، في الواقع كانت أصواتاً متنوعة متداخلة، أجهدت نفسي في محاولة تمييزها ولكنني فشلت، كانت متشابكة لدرجة يصعب معها تمييز أي منها، كانت مؤلمة لأذني وموجعة لقلبي،،،

في تلك الأحيان بدأت صورة تتضح أمام عيني، ترتسم متجاهلةً زخم الأصوات المتشعبة بين جنباتي، طفل يجلس في زاوية الحجرة يلتصق بالمدفأة التي لا تعمل بسبب انقطاع الكهرباء، يحتضن دميته والتي تقترب في حجمها من حجم جسمه،،، انصهرت الشموع ولم يجد أحداً يأنس به سوى دميته والمدفأة،،، يتسع المشهد لأرى أم نائمةً وهي تحتضن أبنائها وكأنها طائر يحمي بيضه بجناحيه الممتدين،،، عادت الأصوات لتدهمني مرةً أخرى وتدق في أذني،،، شدة الأصوات تفزع الطفل،، تعكر صفو أنسه بدميته،، تشتد حدة الأصوات،،، يهرول الطفل نحو أمه،، التي تصحو فزعةً وتحيط بأبنائها الثلاث،،، تعلو الأصوات،،، ويرتفع معها أنين الأطفال،،، ير تجفون،، يبكون ،،، يصرخون،،، يتساءلون،، كيف يكون الموت في الظلام؟ ،،هل سنمت جميعاً أم بعض منا؟ ،، أم ستموت أمنا ونشرد نحن؟ ،، هل الموت مريح؟،، هل هو أرحم من الجوع والرعب؟ ،،، أم هو مخيف كقذائف الدبابات ،،، ومفزع مثل صوت قصف الطائرات،،،، ومؤلم كاللحظات التي نعيشها ليل نهار؟؟

شعرت بمفاصلي ترتعش بشدة، وكأنها التحمت مع صدر الطفل الذي يعلو وينخفض بسرعة وإرهاق، حاولت صرخة أن تنطلق من داخلي،، حاولتُ أن انتزع الدموع من جفنيَ،،، ولكنني ظللت ساكناً متجهماً ،، لا تفارقني صورة الطفل الذي لا يزال يحتضن أمه بشدة،، استمر هذا المشهد يزعزع أوصالي ولم أستطع الإفلات من أغلاله.

فجأة عادت خطوط الضوء ترتسم على الحائط،،، متسللةً عبر فتحات النافذة ،، عاد التيار الكهربائي،،، تكسرت الظلمة،، وبدأت ملامح المشهد في التلاشي تدريجياً،،، وجدت نفسي منكمشاً في جانب السرير،، تكاد ركبتي أن تلتصقا بصدري،، احتمي في رحم الأغطية،، أكاد التحم بالحائط خلفي،، أفزعني صوت هاتفي النقَال،، بدأت استفيق،، أنه صديقي يوقظني لأداء صلاة الفجر،، لملمت أطرافي وذهبت لأتوضأ،،،،

لم أبك بهذه الشدة منذ فترة طويلة،، أسجد وأتوسل بالدعاء أن ينزل الله السكينة على قلب الطفل وإخوته،،، وفي خضم فيض عينيَ عاد الظلام مرةً أخرى،، وبدأت العتمة الشديدة تحاصرني ،،، عرفت هذه المرة أنه انقطاع في تيار الكهرباء،، عدت لسريري،، وبدت ملامح المشهد ثانيةً في الأفق المعتم،، والأصوات المفزعة تشتد وتيرتها،،، كانت صاخبة مؤلمة ،، كادت أن تصيبني بالصمم،،، هذه المرة لم تحتبس آناتي في داخلي،، أطلقتها مدويةً بين أركاني،، حررتها فعصفت بقلبي ً،، لا، بل هي التي أطلقتني ،، هي التي حررتني،، فهرعت نحو الطفل،،، احتضنته بشدة،، أحسست أنني قد امتزجت به،،، توحدت معه،، أصبحنا كتلة واحدة يعلو صدرها وينخفض ،، ترتعد فرائصها ،،، تهتز أوصالها،،، ثم تهدأ رويداً رويداً ،، ويشرع اضطرابها في السكون الحذر،، مع ذلك الإحساس المزيف بالأمان الذي نتوهمه عندما نلتصق بأحد في ساعة الخطر،، حينها أدركت أنه لم يكن خوفاً ،،ولم يكن ظلاماً عادياً.

السبت، 10 يناير 2009

صــورة

أحيانا ما تنسدل دمعتين دافئتين على وجنتي في هذا البرد القارص وتلهبهما بأحاسيس تحنو إلى التنعم بحالة من الهيام الروحي والارتياح النفسي والاستقرار العاطفي ، قد لا يكون هناك مثيراً مباشراً لهما ولكنها الصورة التي تلقي بظلال خيالاتها على عقلي وقلبي وروحي، والتي عادةً ما تداهمني فجأة وبكل ضراوة حين أكون مستلقياً على وسادتي أستجدي النوم أن يزور جفني المشتاقين لرؤيته، تلك اللحظة الغاشمة التي تأسرني وتأخذ بتلابيب عقلي وقلبي ليمتزجا معاً ويسبحا في صورة من الخيال الخصب،، أعترف أنها ليست صورة معقدة كما قد يستشعر البعض من كلماتي، ولكن الوصول إليها محاط بأكثر التعقيدات تعقيداً- إن صح التعبير.

نظرت إلى ساعة الحائط المثبتة نصب عيني فوجدت عقاربها تشيرا إلى الثالثة بعد منتصف الليل، استدرت وفي أعماقي أتلهف للنوم حتى يتحرر عقلي من قيد هذه الصورة التي تأسره، دخلت أمي تطمأن كعادتها وهي في الطريق لقضاء حاجتها، ناديتها ،، أمي أمي ،، ألا تأتي وتجلسين بجواري قليلاً،، أتت أمي مسرعةً ولم أكلف نفسي عناء رفع عيني لأتمكن من رؤية تعبيرات وجهها الذي ربما اعتلاه الاستغراب أو القلق، انكمشت قليلاً وأحسست بأصابع أمي تخطو جيئة وذهاباً على بساط رأسي، أحسست أن رأسي قد تضخمت ،بطء حركة يد أمي على رأسي جعلتني أشعر بذلك، بل ربما ضاقت رأسي بما فيها من أفكار وتصورات فأخذت تتضخم لأن تنفجر، أحياناً ينتابني هذا الشعور خاصةً في حالات توسلي للنوم أن يأتي.

تذكرت سنوات المرحلة الابتدائية، حينها لم أكن أستطع النوم إلا إذا جلست أمي إلى جواري، حاولت استحضار نفس الشعور بالأمان والراحة، حاولت بكل ما في وسعي أن استشعر كيف يكون الاحتواء وما يتبعه من سكينة، ناضلت لكي أهرب من تلك الصورة التي استعمرت قلبي وعقلي،، أريد الهروب ،، أريد التحرر ،، أريد النوم،، فعلاً أشعر بالنعاس الشديد ، ولكنه يرفض وصلي،،، ويقبل أن يظل أسيراً تحت إمرة هذه الصورة، والتي اعترف بمدى رقتها وعذوبتها،، وسحرها الذي يتملكني،،، ولكني اعرف جيداً أن الوصول إليها عسير إن لم يكن محال،،،حتى أن السعي إليها محفوف بالكثير مما لا يحمد عقباه.

مر الوقت، أحسست بأني أرهقت أمي وهي تريد مواصلة نومها،، تظاهرت بأنني قد نمت،، ربتت أمي على ساعدي وخرجت،، عدت لفكرتي لمؤرقتي لصورتي،، أنا وهي معاً ،، تداعبني فأصارعها،، تهمس في أذني وأصرخ في وجهها،،، ولكن ذلك لا ينفي حبي لها وتعلقي بها،،، لا أعاديها رغم أنها تؤرقني،، فهي محبوبتي العنيدة التي تضن علي بالنعاس،،،،

وكالعادة لا أجد أمامي إلا أن أتصالح معها ،، أعانقها،،، أبادلها أطراف الحديث،، أعيشها،، أتنفسها،، أضمها إلى صدري،،، أتحسسها،،، أحادثها،،،، إلى أن يغلبني النعاس ويغلبها،،، وأصحو في اليوم التالي فرحاً سعيداً مبتهجاً لأنني ببساطة قد عشت فيها طوال ساعات دون أن أرهق فكري باستجداء النوم، فقررت أن استسلم لها كل ليلة وأجنب نفسي عناء صراعها في سبيل استقبال النوم ما دامت لا تفارقني في الأحوال كلها.

الخميس، 8 يناير 2009

نسمات

كثيراً ما كانت تداعبني الفكرة،،، أرقتني أحياناً،،أثارتني أحياناً أخرى،،حيرتني ، تعبتني، شغلت حيزاً من فكري وحياتي،،، هل يجدي نفعاً لي ولغيري أنا أطلق عنان ما لدي من حروف وكلمات وجمل ،،أنسج ثوب فكري وأطرزه بأحاسيسي،، هل يريحيني أم يتعبني،، هل يثري عقل غيري وقلبه أم يزيد من حيرته وتخبطه،، هل هل ،، ألف هل وهل ،، ولكنني أخيراً اتخذت القرار في لحظة من لحظات التجلي التي أمر بها،، عندما أشعر بنسمات تداعب أفكاري وتتمتم في أذني وتمسك بيدي فما تجد أمامها سوى أن تستسلم وتفتح آفاقاً واسعة لما يجول في خاطري،،، ولكن الاختلاف هذه المرة ،،هو أنني سأكتب لي ولغيري ،،عني وعنهم،، في مدونة منشورة لترى تلك النسمات النور لأول مرة بعد ما ظلت حبيسة رأسي وقلبي ووجداني،،، سأطلقها كما هي في صورتها النقية الأولية دون عناء فحص أو تمحيص أو تدقيق أو تهذيب أو اختيار قالب أو لغة أو لكنة،،، قررت أن أحررها تماماً من كافة القيود،، تنطلق كما تشاء وكيف تشاء،،تعبر عني ،، عن حالتي أو عن غيري وعن حالتهم،، تلبس ثوب العامية أو تتجمل بالفصحى،، مسجوعة أو موزونة أو مقفية،،شعرية أو نثرية أوغنائية،،،سأعير لها الحق والحرية في أن تتخذ مظهرها وأسلوبها،،لعلها تظل محتفظةً بعليلها ونقائها البكر،،،
ولتكن "عرضحالة" ،،، عرض حالتي ،، عرضحالته،،عرضحالهم،،، ولتصبح هذه الوريقات الإلكترونية "عرضحالجي" لما تعبر عنه هذه النسمات لدي ولدى غيري،،،،وأتمنى أن تنال تلك النسمات حريتها وأن تخرج إلى النور على طبيعتها التي ولدت بها،،،،