الخميس، 15 يناير 2009

لم يكن ظلاماً عادياً

عندما تشعر بأن عيناك لا تجدي نفعاً، عندما لا ترى سوى اللون الأسود القاتم، لا فرق بين يمنةً ويسرةً،،، لا داعي للتركيز،،، لا جدوى من التبصر، تتسلل إلى نفسك تلك الرعشة، تتغلغل بين أحشائك، ترجها بشدة، ترلزلها، تدبدب في أعماقك، تغوص فيها، تتملكها.

رغم خبرتي بهذا الموقف والذي يتكرر عادةً عند إصلاح محطة كهرباء الحي إلا أن هذه المرة علمتني كيف تكون الظلمة،،،، مسلسلاً باللون الأسود من رأسي لقدمي، لا أرى قيد أنملة أمام عيني، إنه ليس خوفاً، لا لم يكن خوفاً؛ فأنا أعرف كيف يكون الخوف أثناء الظلام، تعلمته جيداً حين كنت أطفئ مصابيح البيت كلها، وأغلق منافذ الضوء جميعها، لكي أعيش لحظات منفرداً بنفسي، أنا وهي فقط، وأدثر نفسي تماماً وكأنني في ظلمات القبر، كنت أحاول أن أشعر بمدى هول هذه اللحظة، ولكن الأمر هذه المرة مختلف، والشعور مغاير تماماً، باختصار لم يكن خوفاً من الظلام، ولم يكن ظلاماً عادياً.

كان حلماً شاعرياً للغاية، أرى فيه نفسي وقد ظفرت بأمنية تداعب أفكاري، لا أبالغ عندما أقول إني لا أتذكر شيئاً من مشاهد هذا الحلم بتاتاً، ربما تسبب هول ما رأت عيني حين كنت استدير في محو تفصيل وحتى إجمال هذا الحلم،،، استدرت ناحية اليمين وفتحت عيني، فلم أر شيئاً البتة، قلت ربما لا زلت نائماً، ولكن عقلي بدأ يحادثني وأرسل إشارات عدة لجفنيَ،، فتحتهما وأغلقتهما بضع مرات، وفي كل مرة لم أكن أرى شيئاً، لايوجد أدنى فارق بين الحالتين،، راودتني فكرة أني قد أصبت بالعمى،، ولكنها لم تمكث إلا قليلاً ثم رحلت،،، رحلت عندما بدأ صوت يتصاعد ويعلو داخلي، في الواقع كانت أصواتاً متنوعة متداخلة، أجهدت نفسي في محاولة تمييزها ولكنني فشلت، كانت متشابكة لدرجة يصعب معها تمييز أي منها، كانت مؤلمة لأذني وموجعة لقلبي،،،

في تلك الأحيان بدأت صورة تتضح أمام عيني، ترتسم متجاهلةً زخم الأصوات المتشعبة بين جنباتي، طفل يجلس في زاوية الحجرة يلتصق بالمدفأة التي لا تعمل بسبب انقطاع الكهرباء، يحتضن دميته والتي تقترب في حجمها من حجم جسمه،،، انصهرت الشموع ولم يجد أحداً يأنس به سوى دميته والمدفأة،،، يتسع المشهد لأرى أم نائمةً وهي تحتضن أبنائها وكأنها طائر يحمي بيضه بجناحيه الممتدين،،، عادت الأصوات لتدهمني مرةً أخرى وتدق في أذني،،، شدة الأصوات تفزع الطفل،، تعكر صفو أنسه بدميته،، تشتد حدة الأصوات،،، يهرول الطفل نحو أمه،، التي تصحو فزعةً وتحيط بأبنائها الثلاث،،، تعلو الأصوات،،، ويرتفع معها أنين الأطفال،،، ير تجفون،، يبكون ،،، يصرخون،،، يتساءلون،، كيف يكون الموت في الظلام؟ ،،هل سنمت جميعاً أم بعض منا؟ ،، أم ستموت أمنا ونشرد نحن؟ ،، هل الموت مريح؟،، هل هو أرحم من الجوع والرعب؟ ،،، أم هو مخيف كقذائف الدبابات ،،، ومفزع مثل صوت قصف الطائرات،،،، ومؤلم كاللحظات التي نعيشها ليل نهار؟؟

شعرت بمفاصلي ترتعش بشدة، وكأنها التحمت مع صدر الطفل الذي يعلو وينخفض بسرعة وإرهاق، حاولت صرخة أن تنطلق من داخلي،، حاولتُ أن انتزع الدموع من جفنيَ،،، ولكنني ظللت ساكناً متجهماً ،، لا تفارقني صورة الطفل الذي لا يزال يحتضن أمه بشدة،، استمر هذا المشهد يزعزع أوصالي ولم أستطع الإفلات من أغلاله.

فجأة عادت خطوط الضوء ترتسم على الحائط،،، متسللةً عبر فتحات النافذة ،، عاد التيار الكهربائي،،، تكسرت الظلمة،، وبدأت ملامح المشهد في التلاشي تدريجياً،،، وجدت نفسي منكمشاً في جانب السرير،، تكاد ركبتي أن تلتصقا بصدري،، احتمي في رحم الأغطية،، أكاد التحم بالحائط خلفي،، أفزعني صوت هاتفي النقَال،، بدأت استفيق،، أنه صديقي يوقظني لأداء صلاة الفجر،، لملمت أطرافي وذهبت لأتوضأ،،،،

لم أبك بهذه الشدة منذ فترة طويلة،، أسجد وأتوسل بالدعاء أن ينزل الله السكينة على قلب الطفل وإخوته،،، وفي خضم فيض عينيَ عاد الظلام مرةً أخرى،، وبدأت العتمة الشديدة تحاصرني ،،، عرفت هذه المرة أنه انقطاع في تيار الكهرباء،، عدت لسريري،، وبدت ملامح المشهد ثانيةً في الأفق المعتم،، والأصوات المفزعة تشتد وتيرتها،،، كانت صاخبة مؤلمة ،، كادت أن تصيبني بالصمم،،، هذه المرة لم تحتبس آناتي في داخلي،، أطلقتها مدويةً بين أركاني،، حررتها فعصفت بقلبي ً،، لا، بل هي التي أطلقتني ،، هي التي حررتني،، فهرعت نحو الطفل،،، احتضنته بشدة،، أحسست أنني قد امتزجت به،،، توحدت معه،، أصبحنا كتلة واحدة يعلو صدرها وينخفض ،، ترتعد فرائصها ،،، تهتز أوصالها،،، ثم تهدأ رويداً رويداً ،، ويشرع اضطرابها في السكون الحذر،، مع ذلك الإحساس المزيف بالأمان الذي نتوهمه عندما نلتصق بأحد في ساعة الخطر،، حينها أدركت أنه لم يكن خوفاً ،،ولم يكن ظلاماً عادياً.

السبت، 10 يناير 2009

صــورة

أحيانا ما تنسدل دمعتين دافئتين على وجنتي في هذا البرد القارص وتلهبهما بأحاسيس تحنو إلى التنعم بحالة من الهيام الروحي والارتياح النفسي والاستقرار العاطفي ، قد لا يكون هناك مثيراً مباشراً لهما ولكنها الصورة التي تلقي بظلال خيالاتها على عقلي وقلبي وروحي، والتي عادةً ما تداهمني فجأة وبكل ضراوة حين أكون مستلقياً على وسادتي أستجدي النوم أن يزور جفني المشتاقين لرؤيته، تلك اللحظة الغاشمة التي تأسرني وتأخذ بتلابيب عقلي وقلبي ليمتزجا معاً ويسبحا في صورة من الخيال الخصب،، أعترف أنها ليست صورة معقدة كما قد يستشعر البعض من كلماتي، ولكن الوصول إليها محاط بأكثر التعقيدات تعقيداً- إن صح التعبير.

نظرت إلى ساعة الحائط المثبتة نصب عيني فوجدت عقاربها تشيرا إلى الثالثة بعد منتصف الليل، استدرت وفي أعماقي أتلهف للنوم حتى يتحرر عقلي من قيد هذه الصورة التي تأسره، دخلت أمي تطمأن كعادتها وهي في الطريق لقضاء حاجتها، ناديتها ،، أمي أمي ،، ألا تأتي وتجلسين بجواري قليلاً،، أتت أمي مسرعةً ولم أكلف نفسي عناء رفع عيني لأتمكن من رؤية تعبيرات وجهها الذي ربما اعتلاه الاستغراب أو القلق، انكمشت قليلاً وأحسست بأصابع أمي تخطو جيئة وذهاباً على بساط رأسي، أحسست أن رأسي قد تضخمت ،بطء حركة يد أمي على رأسي جعلتني أشعر بذلك، بل ربما ضاقت رأسي بما فيها من أفكار وتصورات فأخذت تتضخم لأن تنفجر، أحياناً ينتابني هذا الشعور خاصةً في حالات توسلي للنوم أن يأتي.

تذكرت سنوات المرحلة الابتدائية، حينها لم أكن أستطع النوم إلا إذا جلست أمي إلى جواري، حاولت استحضار نفس الشعور بالأمان والراحة، حاولت بكل ما في وسعي أن استشعر كيف يكون الاحتواء وما يتبعه من سكينة، ناضلت لكي أهرب من تلك الصورة التي استعمرت قلبي وعقلي،، أريد الهروب ،، أريد التحرر ،، أريد النوم،، فعلاً أشعر بالنعاس الشديد ، ولكنه يرفض وصلي،،، ويقبل أن يظل أسيراً تحت إمرة هذه الصورة، والتي اعترف بمدى رقتها وعذوبتها،، وسحرها الذي يتملكني،،، ولكني اعرف جيداً أن الوصول إليها عسير إن لم يكن محال،،،حتى أن السعي إليها محفوف بالكثير مما لا يحمد عقباه.

مر الوقت، أحسست بأني أرهقت أمي وهي تريد مواصلة نومها،، تظاهرت بأنني قد نمت،، ربتت أمي على ساعدي وخرجت،، عدت لفكرتي لمؤرقتي لصورتي،، أنا وهي معاً ،، تداعبني فأصارعها،، تهمس في أذني وأصرخ في وجهها،،، ولكن ذلك لا ينفي حبي لها وتعلقي بها،،، لا أعاديها رغم أنها تؤرقني،، فهي محبوبتي العنيدة التي تضن علي بالنعاس،،،،

وكالعادة لا أجد أمامي إلا أن أتصالح معها ،، أعانقها،،، أبادلها أطراف الحديث،، أعيشها،، أتنفسها،، أضمها إلى صدري،،، أتحسسها،،، أحادثها،،،، إلى أن يغلبني النعاس ويغلبها،،، وأصحو في اليوم التالي فرحاً سعيداً مبتهجاً لأنني ببساطة قد عشت فيها طوال ساعات دون أن أرهق فكري باستجداء النوم، فقررت أن استسلم لها كل ليلة وأجنب نفسي عناء صراعها في سبيل استقبال النوم ما دامت لا تفارقني في الأحوال كلها.

الخميس، 8 يناير 2009

نسمات

كثيراً ما كانت تداعبني الفكرة،،، أرقتني أحياناً،،أثارتني أحياناً أخرى،،حيرتني ، تعبتني، شغلت حيزاً من فكري وحياتي،،، هل يجدي نفعاً لي ولغيري أنا أطلق عنان ما لدي من حروف وكلمات وجمل ،،أنسج ثوب فكري وأطرزه بأحاسيسي،، هل يريحيني أم يتعبني،، هل يثري عقل غيري وقلبه أم يزيد من حيرته وتخبطه،، هل هل ،، ألف هل وهل ،، ولكنني أخيراً اتخذت القرار في لحظة من لحظات التجلي التي أمر بها،، عندما أشعر بنسمات تداعب أفكاري وتتمتم في أذني وتمسك بيدي فما تجد أمامها سوى أن تستسلم وتفتح آفاقاً واسعة لما يجول في خاطري،،، ولكن الاختلاف هذه المرة ،،هو أنني سأكتب لي ولغيري ،،عني وعنهم،، في مدونة منشورة لترى تلك النسمات النور لأول مرة بعد ما ظلت حبيسة رأسي وقلبي ووجداني،،، سأطلقها كما هي في صورتها النقية الأولية دون عناء فحص أو تمحيص أو تدقيق أو تهذيب أو اختيار قالب أو لغة أو لكنة،،، قررت أن أحررها تماماً من كافة القيود،، تنطلق كما تشاء وكيف تشاء،،تعبر عني ،، عن حالتي أو عن غيري وعن حالتهم،، تلبس ثوب العامية أو تتجمل بالفصحى،، مسجوعة أو موزونة أو مقفية،،شعرية أو نثرية أوغنائية،،،سأعير لها الحق والحرية في أن تتخذ مظهرها وأسلوبها،،لعلها تظل محتفظةً بعليلها ونقائها البكر،،،
ولتكن "عرضحالة" ،،، عرض حالتي ،، عرضحالته،،عرضحالهم،،، ولتصبح هذه الوريقات الإلكترونية "عرضحالجي" لما تعبر عنه هذه النسمات لدي ولدى غيري،،،،وأتمنى أن تنال تلك النسمات حريتها وأن تخرج إلى النور على طبيعتها التي ولدت بها،،،،