السبت، 10 يناير 2009

صــورة

أحيانا ما تنسدل دمعتين دافئتين على وجنتي في هذا البرد القارص وتلهبهما بأحاسيس تحنو إلى التنعم بحالة من الهيام الروحي والارتياح النفسي والاستقرار العاطفي ، قد لا يكون هناك مثيراً مباشراً لهما ولكنها الصورة التي تلقي بظلال خيالاتها على عقلي وقلبي وروحي، والتي عادةً ما تداهمني فجأة وبكل ضراوة حين أكون مستلقياً على وسادتي أستجدي النوم أن يزور جفني المشتاقين لرؤيته، تلك اللحظة الغاشمة التي تأسرني وتأخذ بتلابيب عقلي وقلبي ليمتزجا معاً ويسبحا في صورة من الخيال الخصب،، أعترف أنها ليست صورة معقدة كما قد يستشعر البعض من كلماتي، ولكن الوصول إليها محاط بأكثر التعقيدات تعقيداً- إن صح التعبير.

نظرت إلى ساعة الحائط المثبتة نصب عيني فوجدت عقاربها تشيرا إلى الثالثة بعد منتصف الليل، استدرت وفي أعماقي أتلهف للنوم حتى يتحرر عقلي من قيد هذه الصورة التي تأسره، دخلت أمي تطمأن كعادتها وهي في الطريق لقضاء حاجتها، ناديتها ،، أمي أمي ،، ألا تأتي وتجلسين بجواري قليلاً،، أتت أمي مسرعةً ولم أكلف نفسي عناء رفع عيني لأتمكن من رؤية تعبيرات وجهها الذي ربما اعتلاه الاستغراب أو القلق، انكمشت قليلاً وأحسست بأصابع أمي تخطو جيئة وذهاباً على بساط رأسي، أحسست أن رأسي قد تضخمت ،بطء حركة يد أمي على رأسي جعلتني أشعر بذلك، بل ربما ضاقت رأسي بما فيها من أفكار وتصورات فأخذت تتضخم لأن تنفجر، أحياناً ينتابني هذا الشعور خاصةً في حالات توسلي للنوم أن يأتي.

تذكرت سنوات المرحلة الابتدائية، حينها لم أكن أستطع النوم إلا إذا جلست أمي إلى جواري، حاولت استحضار نفس الشعور بالأمان والراحة، حاولت بكل ما في وسعي أن استشعر كيف يكون الاحتواء وما يتبعه من سكينة، ناضلت لكي أهرب من تلك الصورة التي استعمرت قلبي وعقلي،، أريد الهروب ،، أريد التحرر ،، أريد النوم،، فعلاً أشعر بالنعاس الشديد ، ولكنه يرفض وصلي،،، ويقبل أن يظل أسيراً تحت إمرة هذه الصورة، والتي اعترف بمدى رقتها وعذوبتها،، وسحرها الذي يتملكني،،، ولكني اعرف جيداً أن الوصول إليها عسير إن لم يكن محال،،،حتى أن السعي إليها محفوف بالكثير مما لا يحمد عقباه.

مر الوقت، أحسست بأني أرهقت أمي وهي تريد مواصلة نومها،، تظاهرت بأنني قد نمت،، ربتت أمي على ساعدي وخرجت،، عدت لفكرتي لمؤرقتي لصورتي،، أنا وهي معاً ،، تداعبني فأصارعها،، تهمس في أذني وأصرخ في وجهها،،، ولكن ذلك لا ينفي حبي لها وتعلقي بها،،، لا أعاديها رغم أنها تؤرقني،، فهي محبوبتي العنيدة التي تضن علي بالنعاس،،،،

وكالعادة لا أجد أمامي إلا أن أتصالح معها ،، أعانقها،،، أبادلها أطراف الحديث،، أعيشها،، أتنفسها،، أضمها إلى صدري،،، أتحسسها،،، أحادثها،،،، إلى أن يغلبني النعاس ويغلبها،،، وأصحو في اليوم التالي فرحاً سعيداً مبتهجاً لأنني ببساطة قد عشت فيها طوال ساعات دون أن أرهق فكري باستجداء النوم، فقررت أن استسلم لها كل ليلة وأجنب نفسي عناء صراعها في سبيل استقبال النوم ما دامت لا تفارقني في الأحوال كلها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق